ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الجهل من الصفات الذميمة التي لا يحبُّ حتى الجاهل أن يُنْعَتَ بها

15:53 - December 16, 2022
رمز الخبر: 3489052
بیروت ـ إکنا: الجهل من الصفات الذميمة التي لا يحبُّ حتى الجاهل أن يُنْعَتَ بها، إنه أصل كل الشرور، يودي بصاحبه في هاوية سحيقة، ويقلل من مكانته واحترامه بين الناس، فيعتزلونه ويتجنبون صحبته والتعامل معه وتوظيفه والاعتماد عليه

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الجَهْلُ مَوْتٌ"

لا داء أدوأ من داء الجهل، ولا مريض أسوأ حالاً من المبتلى به، ولئن كانت الأمراض ممكنة العلاج فإن الجهل صعب علاجه، إلا إذا أدرك المبتلى به أنه جاهل واقتنع بحاجته إلى العلم، فالعلم وحده هو العلاج ولا علاج له غيره، لكن من أين للجاهل أن يدرك أنه جاهل خصوصاً ذاك الجاهل الذي يحسب نفسه عالماً؟!

الجهل من الصفات الذميمة التي لا يحبُّ حتى الجاهل أن يُنْعَتَ بها، إنه أصل كل الشرور، يودي بصاحبه في هاوية سحيقة، ويقلل من مكانته واحترامه بين الناس، فيعتزلونه ويتجنبون صحبته والتعامل معه وتوظيفه والاعتماد عليه، إذ لا يعرف أن يؤدي عملاً على الوجه المطلوب، ولا يعرف التمييز بين ما يضرّه وما ينفعه، فهو غافل ومغفَّل يسهل استغفاله والاستخفاف به.

فضلاً عما سبق فإن الجهل يُحيل حياة الشخص إلى موت، يجعله ميِّتاً في حياته، إنه ليأكل ويشرب وينام ويقوم كأيِّ حَيٍّ من الأحياء ولكن حياته تفتقد معنى الحياة وحيويتها وفاعليتها وتأثيرها، إن قلبه ليضخ الدم إلى أنحاء بدنه ولكنه لا ينبض بالحياة الإنسانية الفاعلة النَّشِطَة، وإن بدنه لينمو ويتحرك ولكنه بلا روح، فجسده تابوت يمشي به على وجه الأرض.

لقد أخبرنا الله عن الجاهل أنه مَيِّتُ بين أحياء، الأحياء يسمعون ويستَمِعون ويتأثَّرون ويستجيبون أما هو فلا يسمع، وإن سمع لا يفكِّر بما يسمع، ولا يعي ما يسمع، ولا يتأثر ولا يستجيب، قال تعالى: "إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ"﴿80/ النمل﴾.                   

إن هؤلاء الذين تدعوهم يا رسول الله يسمعونك ولكنهم لا يفكِّرون ولا يتدبرون بما تقول، قلوبهم مَيِّتة، وأرواحهم خامدة، وأحاسيسهم متبلِّدة، ومشاعرهم هامدة، فهم موتى، بل أسوأ حالاً من الموتى، هذا وصف الله لهم، ويصفهم مرة أخرى بالصُّمِّ الذين لا يسمعون النَّذير وهو يُنذرهم ويحذِّرهم، والعُمي الذين لا يرون الهادي الذي يهديهم إلى الخير والهدى، قال تعالى: *"لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا..."﴿70/يس﴾.

فالقرآن نزل على قلب النبي(ص) لينذر الذي يفكر ويتدبر، ولا يفكر ويتدبر إلا الحَيُّ، أما سواه فهو مَيِّت وإن كان يأكل ويشرب وينام ويمشي في الأسواق، فالجهل موتٌ، وليس شيئاً آخر.

في آية أخرى يتحدث الله عن إحياء العلم للميِّت من الأحياء، فالعلم نورٌ إذا ما دخل القلب أناره وأضاءه وأحياه، أما الجهل فظلمة وظلام ومَوتٌ، قال تعالى: "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا..."﴿122/ الأنعام﴾.

فبالعلم تكون الحياة الحقيقية الفاعلة النَّشطة، العلم يُحيي والجَهل يُردي ويميت، فكما أن الموتَ يودع الإنسان في القبر ويُغَيِّبه عن الحياة، كذلك الجهل يُغَيِّبُ عنها، فهي متوقفة عنده لا تتغيَّر ولا تتبَدَّل، ولا حياة من دون تَغَيُّرٍ وتبَدُّلٍ، فإن كان كذلك كان الشقاء والتعاسة وليس شيئاً آخر.

ومن أبلغ ما وُصِف به الجاهل ما جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) حيث قال: "الجَاهِلُ صَخْرَةٌ لَا يَنْفَجِرُ مَاؤُهَا وَشَجَرَةٌ لَا يَخْضَرُّ عُودُهَا وَأَرْضٌ لَا يَظْهَرُ عُشْبُهَا" فكما أن الصَّخرة لا يُتَوَقَّع منها أن تنفجر بالماء، وكما أن الشجرة المَيتة اليابسة لا يُتُوَقَّع أن يخضَرَّ عودها، وكما أن الصحراء القاحلة لا ينبت فيها نباتٌ كذا الجاهل لا تكون منه حياة أبداً.
                                                                                                                                                                
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"

أخبار ذات صلة
captcha