ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

الأنبياء كانوا يجتذبون الناس إلى مشروعهم الرَّباني بأخلاقهم

14:30 - April 02, 2023
رمز الخبر: 3490563
بيروت ـ إکنا: إن من الأسباب التي تُعين على تنمية الفضائل والمَلَكات الأخلاقية وجودُ القدوة الأخلاقية، فإن الناس أكثر ما يتأثرون بها، فكلما كانت القدوة راقية في أخلاقها استطاعت أن تجتذب الناس إليها وإلى الفضائل التي تتصف بها، ولذلك كان الأنبياء والرُّسُلُ والمعصومون والصالحون يجتذبون الناس إلى مشروعهم الرَّباني بأخلاقهم وفضائلهم.

الأنبياء كانوا يجتذبون الناس إلى مشروعهم الرَّباني بأخلاقهمورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الْمُلُوكِ سُوءُ السِّيرَةِ".

الآفَةُ: العاهَةُ، وكل ما يعرض على الشيء الصالح فيفسده، من عاهة، أو جائحة، أو مرض، أو قحط، أو فعل أو سلوك سيئين.

وكما ترى قارئي الكريم فإن لكل شيء آفة تصيبه، سواء كان شيئاً مادياً أم أمراً معنوياً، ولا يشُذُّ الإنسان عن ذلك فإن لبدنه أمراض وآفات، ولنفسه آفات، ولأخلاقه آفات، الضَّعف سُنَّة جارية فيه، فإنه يضعف بعد قوة، ويعجز بعد قدرة، ويهرم بعد شباب.

وقد ذكر الله تعالى تلك السُّنَّة الجارية في تكوين الإنسان ومآله الذي يَؤول إليه نهاية رحلته في الحياة الدنيا فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا"﴿5/ الحج﴾.

وهذا أمر تكويني قهري لا يملك البشر حياله الاختيار، وهم جميعاً يستوون في ذلك، الغني والفقير، والعالم والجاهل، والشريف والوَضيع، والحاكم والمحكوم.

ولئن كان صعباً على البشر أن يتلافوا آفات البَدَن ففي إمكانهم أن يتلافوا الآفات التي تصيب أخلاقهم، بل يمكنهم أن يتكاملوا فيها ويزيدوا من قُوَّتها لتكون مع تقدمهم في العمر أكثر أَلَقاً وتوَهُّجاً، وذلك مطلوب منهم، وعليهم أن يسعوا فيه طول حياتهم، فإنه أمر اختياري تابع لإرادتهم وسَعيهم ومجاهدتهم لأنفسهم وسيطرتهم على غرائزهم وأهوائهم.

ولما كان التَّخَلُّق بالأخلاق الفاضِلة أمراً اختيارياً -وأقصد بالاختيار هنا ما يقابل الأمر التكويني الذي لا نملك فيه الاختيار- لهذا نرى البعض من البشر ينجح في التخلُّق بالأخلاق الفاضِلة، ونرى بعضاً آخر يُخفِق في ذلك، وكُلٌّ له أسبابه، من أسباب تعين على تزكية النفس وتهذيبها أخلاقية، وأسباب تؤدي إلى الغَفلة عن النفس، والغفلة عن أخلاقها، وإهمال تزكيتها وتنميتها.

وإن من الأسباب التي تُعين على تنمية الفضائل والمَلَكات الأخلاقية وجودُ القدوة الأخلاقية، فإن الناس أكثر ما يتأثرون بها، فكلما كانت القدوة راقية في أخلاقها استطاعت أن تجتذب الناس إليها وإلى الفضائل التي تتصف بها، ولذلك كان الأنبياء والرُّسُلُ والمعصومون والصالحون يجتذبون الناس إلى مشروعهم الرَّباني بأخلاقهم وفضائلهم.

ولما كان الناس يتأثرون بالملوك والرؤساء والمسؤولين والموظفين والمعلمين وكل من له سلطة معنوية أو مادية، والناس عموماً على دين من يُؤَثِّر في حياتهم، أياً يكن موقعه السياسي أو الاجتماعي أو الوظيفي، وجَبَ على جميع هؤلاء أن يكونوا متصفين بالفضائل، مهتمين بها، حريصين في سلوكهم أن يكون منسجماً مع القيم الأخلاقية السامية، فإذا ساء سلوكهم وفسدت سيرتهم فهم أمام واحد من أمرين: فإما أن يقتدي الناس بسيرتهم فيكونوا ضالِّين مُضلِّين، ومنحرفين في أنفسهم وسبباً لانحراف الناس، فيفسُد حكمهم، ويتداعى كيانهم، ويذهب سلطانهم أدراج الرياح. أو ينفضُّ الناسُ عنهم، وينقِموا على فسادهم، ويثوروا عليهم، إذ يرونهم سببَ ما هم فيه من ويلات وأزمات ناتجة عن سوء سيرتهم.

ولعل هذان الأمران هما الذين قصدهما الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله: "آفَةُ الْمُلُوكِ سُوءُ السِّيرَةِ".

بقلم الكاتب والباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha