ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

ترك العمل والسَّعي لا يقبله الدين بحال من الأحوال

16:28 - December 20, 2022
رمز الخبر: 3489121
بيروت ـ إکنا: إن ترك العمل والسَّعي لا يقبله الدين بحال من الأحوال، فالدين نفسه عمل والتزام، والعمل روحه وجوهره، الدين ليس فكرة يهجس بها الإنسان في عقله وحسب، وليس عاطفة تربط بين الإنسان والله وحسب، الدين حركة، ونشاط، واستثمار للطاقات، وبناء للحياة الدنيا، وببنائها تُبنى الحياة الآخرة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الْعَمَلُ شِعارُ الْمُؤمِنِ".

ما خُلِقنا إلا لنعمل، العمل ليس مطلوباً منا نحن البشر وحسب، بل كل ما به روح أو ذو نُمُوٍّ فإنه يعمل، وإن شئت أن تتيقن من ذلك فما عليك إلا أن تخرج إلى البَرِّيّة في رحلة تستكشف بها حياة الكائنات، فإنك لن تعثر على مخلوق من ذوات الأرواح إلا وتجده عاملاً ساعياً في شأن من شؤونه، يدرك حاجاته المختلفة، ويسعى في الحصول عليها بنحو غريزي، بل لن تعثر على مخلوق ذو نُمُوٍّ إلا وتجده ساعياً كذلك في الحصول على حاجاته المختلفة من ماء وهواء ونور وعناصر غذائية، فما دام نامياً فهو عامل بنحو تكويني، فلا فرق بيننا وبينهم في الحاجة إلى السعي والعمل، إلا في أننا نسعى بوعي وعلم ومعرفة، ونطوِّر وسائلنا وأساليبنا كلما زادت معرفتنا بقوانين الخلق.

الحياة عمل، العمل جوهرها، ومن دونه تفقده وتفقد معناها، الحياة حركة دائبة، والحركة عمل، والحياة نُمُوٌّ، والنُّمُوُّ عمل، وما دام المَرء يتنفَّس فهو يعمل، إن لم تعمل يداه وإن لم تمشي قدماه فجوارحه الأخرى تعمل، وقلبه يعمل، وحين يتوقف القلب عن العمل تنتهي حياته فيغادر عالم الحياة أي عالم العمل.

لذلك ليس لك إلا أن تكون عاملاً، ليس لك أن تتكاسل وتتثاقل، ليس لك أن تختار القعود عن الحياة أي عن العمل، لأنك بهذا الاختيار تعدم حياتك، حتى لو بلغت سِنَّ التقاعد القانوني عليك أن تجد لنفسك عملاً آخر يتلاءم مع قدراتك في مرحلة شيخوختك.

إن ترك العمل والسَّعي لا يقبله الدين بحال من الأحوال، فالدين نفسه عمل والتزام، والعمل روحه وجوهره، الدين ليس فكرة يهجس بها الإنسان في عقله وحسب، وليس عاطفة تربط بين الإنسان والله وحسب، الدين حركة، ونشاط، واستثمار للطاقات، وبناء للحياة الدنيا، وببنائها تُبنى الحياة الآخرة، ولذلك يعلن القرآن الكريم دعوته الأكيدة لضرورة العمل والسعي والكسب وبذل الجهد ويعتبر جميع ذلك طاعة لله، كما يعتبر القاعد عن العمل عاصياً له، إن القرآن يأمر بالانتشار في الأرض التي ملأها الله بالنِّعَم والثروات والخيرات، إنه يخاطب المؤمنين قائلا: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"﴿10/ الجمعة﴾. فكما يعملون لتوفير حاجاتهم الروحية والمعنوية من خلال الصلاة والدعاء والذكر، عليهم أيضاً أن يعملوا على توفير حاجاتهم المادية المختلفة بواسطة العمل والانتشار في الأرض وطلب الرزق، ويريدهم أن يكونوا إيجابيين في حياتهم يتمتعون بالجِدِّ والنشاط، ليُفيدوا الحياة ويستفيدوا منها، ويكره لهم السلبية والكسل والمَلل والضَّجر والانزواء وترك العمل، هو ذا يقول لهم: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"﴿15/ المُلك﴾. 

فإذا رأيتَ إنسانا يرفض العمل مع قدرته عليه، ويقعد عنه رغم وفرة الفرص، والفرص لا تُعدَم حتى في أصعب الأزمنة وأحلك الظروف، فاتهم دينه وإيمانه، لأنه يكون مُضَيِّعاً لأهَمِّ ما أنعم الله به عليه، غير شاكر له، ومن يكُ كذلك فهو مبغوض لله ولو صلى وصام، وقام الليل وتَهَجَّد في أسحاره.

لذلك قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "الْعَمَلُ شِعارُ الْمُؤمِنِ" وفي هذا القول توصيف بليغ لعلاقة المؤمن بالعمل، فإن (الشعار) هو الثوب الملاصق للبدن المُلاقي للشَّعرِ أو ما يُعرَف بالثوب الداخلي، ولمّا كان أكثر الناس في أغلب الأوقات يرتدون مثل هذا الثوب، وكان من النادر أن يكون الشخص عارياً فقد شاع استعمال (الشِّعار) في كل أمر يُلازم الشخص ولا ينفصل عنه إلا نادراً وحال الضرورة فقط، وبهذا يتبين لنا أن المؤمن لا يَعرى من العمل إلا نادراً، فإما أن يكون عاملا لدنياه، أو عاملاً لآخرته، على أن عمله لدنياه هو عمل لآخرته بلا فصل، فمن لم يكن ملازماً للعمل فذلك دلالة على أن إيمانه ليس حقيقياً، بل هو إيمان لفظي وحسب، ولهذا نجد التأكيد في الروايات الشريفة على أن العمل جزء من الإيمان كما هو المذهب الحق.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha