ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الإسلام يريد أن يبني مجتمعاً نظيفاً لا تكون الشهوة هي الأساس

7:16 - November 11, 2022
رمز الخبر: 3488526
بيروت ـ إکنا: الإسلام يريد أن يبني مجتمعاً نظيفاً لا تكون الشهوة هي الأساس الذي تقوم عليها علاقة أفراده فيما بينهم، مجتمعاً لا تُستَثار فيه الغرائز، حتى لا تنتهي بأفراده إلى سَعارٍ شهواني.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "اللَّحْظُ رائِدُ الفِتَنِ"

هَبْ قارئي الكريم أنك كنت يوماً من الأيام جائعاً خاوي المَعِدة، فشَمَمْتَ راحة طعام يُطهى بالقرب منك، من الطبيعي أن تشتهيه وترغب لو تُدعى لتناوله، كذلك الحال لو شَمَمْتَ عِطراً ذكياً سترغب لو يكون عندك شيء منه، إن حواسَّكَ الخمسة هي بمثابة جنود الاستطلاع الذين ينقلون المعطيات إلى غرفة القيادة فتستجيب هي للتحديات القادمة، أو بمثابة الرادار الذي يستشعر المخاطر، إن حواسَّكَ أبواب عقلك وقلبك، فما تراه عيناك، أو يشمُّه أنفك، أو تسمعه أُذُناكَ، أو يتذوَّقه لسانك، أو يلمسه بدنك، ينتقل مباشرة إلى عقلك فيتعامل معه التعامل اللازم، فإن لمس البدن شيئاً مؤذياً أعطى العقل أوامره مباشرة إلى البدن ليبتعد عن الشيء الملموس، وإن شَمَّ الأنف رائحة كريهة أعطى العقل أوامره مباشرة إلى اليدين ليَسُداً الأنف، أو أمر الأنف بالتوقف عن الاستنشاق، وإذا تَذوَّق اللسان طعماً مُرّاً أمره العقل بلفظه من الفم، وهكذا الحال في بقية الحواس.

في الحديث الذي تَصَدَّر هذه المقالة يقول الإمام (ع): "اللَّحْظُ رائِدُ الفِتَنِ" فما تراه العين ينتقل إلى القلب، فينشغل في التفكير به، ومعنى الحديث أن النظر إلى ما يُثير الشهوة ويحرِّك الغريزة هو الذي يوقع الشخص في الفتنة، أي يوقعه في الحرام والفاحشة.

والواقع يشهد بأن ما تراه العين ينشغل به القلب، فإن كان منظراً جميلاً انشغل به، وإن كان مشهداً مؤثراً تأثَّر به، وإن كان ما يراه قبيحاً استقبحه، وإن كان مثيراً ثارت شهوته وهاجت غريزته، إن هذا الأمر يدركه كل الناس، ويدركه أولئك الذين لا هَمَّ لهم إلا إثارة الشَّهوات وإهاجة الغرائز، ولذا تراهم يركزون على الاستفادة من البصر باعتباره من أهم الحواس التي تثير شهوة الإنسان، لذلك يعرضون له المشاهد الخليعة، والنساء المتبرِّجة بإظهار أقصى ما يمكن من مفاتن جسدها، ويصَمِّمون أزياءها لتخدم هذا الهدف بالذات، لتُظهرها مثيرة ببدنها فقط، إدراكا منهم أن نفوس الرجال طوامح جوامح تبحث عن المُثير لتلتهمه.

وبهذا نفهم لماذا حثَّ الإسلام على غَضِّ البصر، بل أوجبه، حتى لا تُثار شهواته، فيندفع على إثرها إلى ما لا يحل له، قال تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*﴿30﴾ *وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ..."*﴿31/ النور﴾، فالإسلام يريد أن يبني مجتمعاً نظيفاً لا تكون الشهوة هي الأساس الذي تقوم عليها علاقة أفراده فيما بينهم، مجتمعاً لا تُستَثار فيه الغرائز، حتى لا تنتهي بأفراده إلى سَعارٍ شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي، والنظرة الخائنة، والحركة المثيرة، والزينة المتبرجة تثير ذلك السَّعار الغرائزي الحيواني المتفلِّت من كل قيد، لذلك نرى الدين يأمر بغضِّ البصر للحيلولة دون تلك الاستثارة التي قد تُلَبّى من طريق غير مشروع، وهو أسلوب من أساليب الإمساك بالشهوات الجامحة، وإغلاق النافذة الأهم من نوافذ الفتنة والغواية.

بقلم الكاتب اللبناني والباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha