ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ....

خُلفِ الوعود من الأسباب الداعية لنشوب الحروب والصراعات

20:48 - December 23, 2022
رمز الخبر: 3489159
بيروت ـ إکنا: قد يُفَسَّر الخُلف بخُلفِ الوعود ونَقضِ العُهود، وهذا سبَبُ مهم جداً من الأسباب الداعية لنشوب الحروب والصراعات بين الأفراد وبين الجماعات والدول.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الخُلْفُ مَثَارُ الحُرُوبِ"

مُثيراتُ الحروب بين الأفراد والجماعات والشعوب والدول كثيرة، تبدأ من الظلم والهيمنة والتعدي والاستئثار والاستكبار والأهواء والشهوات والأنانية والجهل والشبهات والأحقاد والعنصرية والكذب ونقض العهود والمواثيق والخلف بالوعود، ولا تنتهي عندما سبق ما دام الإنسان أسير غرائزه وعبداً لأهوائه.

والإمام أمير المؤمنين (ع) يذكر في جوهرته هذه سبباً من تلكم الأسباب، وهو الخُلفُ، وقد فسَّره بعضهم بأنه الخِلاف الذي يقع بين الأفراد سياسياً كان أو اقتصادياً، أو فكرياً، أو عَقَدياً، أو قِيَمياً، وسوى ذلك مما يختلف الناس فيه ولا يُبدون استعداداً لِحَلِّه، فيختارون الحرب بإرادتهم أو رغماً عنهم، كأداة من أدوات فرض الرأي أو المعتقد، أو فرض خيارات اقتصادية أو تجارية، أو الحصول على الثروات المرغوب فيها، أو غير ذلك من النتائج التي يتوَخّي الطرفان الحصول عليها، أو الدفاع عنها.

وقد يُفَسَّر الخُلف بخُلفِ الوعود ونَقضِ العُهود، وهذا سبَبُ مهم جداً من الأسباب الداعية لنشوب الحروب والصراعات بين الأفراد وبين الجماعات والدول، ولا يحتاج الأمر إلى كثير من التفكير، فإن مراجعة سريعة لكثير من الصراعات التي نشأت في التاريخ القديم والمعاصر، والحروب المُدَمِّرة تُظهر لنا كيف كان خُلْفُ الوعد ونقض العهد سبباً رئيسياً من أسبابها.

والأكيد أن الإمام أمير المؤمنين (ع) عندما يحدثنا عن ذلك فليلفِت أنظارنا إلى ضرورة الصدق في التعامل والوفاء بالوعد والالتزام بالعهد الذي نقطعه لآخرين على أنفسنا، كالتزام أخلاقي أولاً، والتزام ديني ثانياً، وكضامِن لاستقرار العلاقة وثباتها بيننا وبينهم، ولدَرْءْ ما ينتج عن الخلف في ذلك من حروب وصراعات لا تبقي ولا تَذر.

وجميعنا يعلم قارئي الكريم قيمة الالتزام بالعهود والمواثيق في تمتين أواصر الثقة بين الناس، وفي سلامة العلاقة معهم، فلو أن الخُلف بالوعد كان مباحاً أو أمراً غير مُنكَرٍ لما قامت علاقة بين الناس، ولا توطَّدت آصرة ورابطة، ولكانت محفوفة بالشَّكِّ والرِّيبة، ولنا أن نتخيل كيف ستكون حياتهم لو قامت على ذلك.

إن الله تعالى يأمرنا بأن نفي بالعقود التي نُنْشئها بيننا وبين الآخرين كإجراء قانوني مُلزم يحفظ الحقوق ويُلزِم بالواجبات فيقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ..."*﴿1/ المائدة﴾. فالحياة الاجتماعية لا بُدَّ لها من ضوابط مُلزمة تضبط علاقات الناس وتحفظ مصالحهم وتؤمِّنُ استقرارهم، ومن دونها تكون الحياة خبط عشواء، لا يطمئن فيها أحد إلى أحد، ويجب أن تكون محترمة من جميع الناس، لا تُنتَهَك، ولا يُستَهزأ بها، ولا يكون الأمر فيها للأهواء المتقلِّبة، والأمزجة المُتبدلة، ولا للمصالح العارضة التي يراها فرد أو جماعة أو أمة، وهذه العقود تطال كل علاقات البشر، وكل شراكة بين اثنين أو أكثر يجب أن تقوم على ذلك، سواء كانت بين زوجين، أو تاجِرَين، أو سياسيين، أو سوى ذلك، وجميعها يجب الالتزام الصارم بها والوفاء بجميع ما يرد فيها.

ويقول تعالى: *"... وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا"*﴿34/ الإسراء﴾ إن الله تعالى سائلٌ الناس عن الوفاء بالعهد، ومحاسبٌ من ينكث به وينقضه، لأن الوفاء به مَناط الاستقامة والثقة والطمأنينة والوئام واستقرار العلاقات الإنسانية، ما يدفع الخلافات والنزاعات، ويحول دون نشوب الحروب والصراعات والأزمات.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha