ایکنا

IQNA

المبعث النبويّ وسيادة العدل الالهي

8:00 - February 09, 2024
رمز الخبر: 3494527
بيروت ـ إكنا: إن المبعث النبوي هو بدء حياة الخير والسعادة للإنسان على وجه الأرض لأن النبي(ص) بُعث بالرسالة للبدء بمرحلة جديدة من حياته الكريمة، كما أنه لا تقتصر أهمية هذا الحدث على الجانب العقائدي أو الفكري فحسب، وإنما يرتبط بسيادة العدل الإلهي الذي أرسى دعائمه النبي(ص) على مدار 23 عاماً.

وإن يوم 27 رجب  لسنة  13 قبل الهجرة، يحمل ذكرى رسالة خالدة وولادة النور والرحمة الإلهية، ففي هذا اليوم المبارك بدأت البعثة النبوية الشريفة، فالمبعث النبوي الشريف هو مبعث النور ومولد الرسالة والقرآن الكريم، وانطلاقة الحضارة الإسلامية، ثم أن هذا اليوم هو يوم عيد ليس فقط للأمة الإسلامية ولكن للبشرية جمعاء فبعثة الرسول(صلى الله عليه وآله) عمت بركتها الكائنات.

والحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون والصلاة والسلام على العلم المأثور وعلى جبال دينه نور يتبعه نور وبعد …القول في السابع والعشرين من رجب روى الشيخ المفيد، أحد أهم كبار علماء عن ابن قولويه بسند ينتهي إلى الإمام الصادق( عليه السلام)، أن في اليوم السابع والعشرين من رجب، نزلت النبوة على رسول الله(صلى الله عليه وآله).


ويعتبر هذا الحدث المعروف بـ لمبعث النبوي" واحدة من أهم نقاط التحوّل في تاريخ الإنسانية، بعد أن جاء النبي(ص) برسالة سماوية دحض بها المعتقدات الباطلة والخرافات التي كانت سائدة في مجتمع شبه الجزيرة العربية آنذاك. ولا تقتصر أهمية هذا الحدث على الجانب العقائدي أو الفكري وحسب، وإنما يرتبط بسيادة "العدل" الإلهي الذي أرسى دعائمه النبي(ص) على مدار ثلاثة وعشرين عاماً منذ يوم مبعثه، والذي تسعى الأمم إلى تحقيقه حتى يومنا هذا منذ انقطاع الوحي.

وتشير الروايات الشريفة إلى أن النبي(ص) كان يغدو كل يوم إلى حراء يصعده وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله، وإلى أنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته، وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الارض والبحار والمفاوز والفيافي، فيعتبر بتلك الآثار، ويتذكر بتلك الآيات، ويعبد الله حق عبادته.

وبحسب هذه الروايات، أنه لما بلغ(ص) الأربعين عاماً، هبط عليه جبرائيل عليه السلام بوحي من الله وقال: يا محمد اقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال يا محمد "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿۱﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿۲﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿۳﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿۴ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿۵﴾".

ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أهمية هذه المرحلة التي تسامت البشرية منها لتحاكي تطلعات السماء وتتابع صلاحها على الارض وذلك بعد زمان من عبادة الاوثان فأيقظتهم البعثة وصاحبها الشريف(ص) لعبادة الله وأخرجتهم من طاعة الشيطان إلى طاعته بنور قد جاء برهانه محكماً وليعلم العباد عبادة ربهم إذ جهلوه …

ومن خلال ما تم ذكره في بداية الحديث عن واقعة المبعث النبوي وأنها في زمان معروف ومشخص وقد تنزلت رسالة السماء بواسطة جبرائيل على نبينا وآله وعليه آلاف التحايا والسلام لتلكم الاهداف الجليلة وللصدع بها وإنذار الاقربين ثم كل العالمين يتبين لنا الفرق بينه وبين محطة الإسراء والمعراج والتي كانت في صريح بعض الروايات في السابع عشر من شهر رمضان المبارك والتي كان الهدف منها كما في قوله تعالى " … لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى" ولعل مشترك البعثة بين الاثنين أوقع البعض في الخلط بينهما ولكن بما ذكرنا قد أضاء الصبح لذي عينين …

فسورة محمد{ص} مدنية وآياتها ثمان وثلاثون "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُ" نزلت في الذين ارتدوا بعد رسول الله(ص) ولا ريب أنها نزلت مع جملة القرآن الكريم بوقت الامر بالصدع والانذار ولكن تحققها أو كونها بأي المصاديق كان بعد الارتحال المبارك لحضرة المصطفى(ص) وذلك كما في اعتقادنا من أن القرآن الكريم كان يشير للوقائع والحوادث قبلاً أو بعداً وكما بينت بعض آياتها المباركة من كون البعض ممن أسلموا قد ارتدوا على أدبارهم وذلك بعد الرحيل المبارك وكان ذلك لسبب ولآخر ولعل من أبرزها التنكر والعمى عن ولاة الامر الحقيقين بعد الرفع المبارك للروح الطيب ولصاحب القرآن(صلى الله عليه وآله)…

أجمل ما قيل في المبعث النبوي عن النبي محمد (ص) " ليس شيء من ذلك بعثني الله إليكم رسولاً، وأنزل كتاباً فإن قبلتم ما جئت به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه أصبر حتى يحكم الله بيننا "وقد كان منه(ص) هذا الرد بعدما نقل المولى تعالى عن المشركين وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا {الإسراء/90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا {الإسراء/91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً {الإسراء/92} أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً {الإسراء/93}﴾ وما يمكن أن يذكر في جمال هذا القول وذلك رداً على ما حاول المشركون طرحه أو جعله مرحلة تفاوضية دنيا ليحصلوا على تنازل ولو بدرجة منه(ص) فذكر لهم أن ما جاء به إنما هو تكليف لسوق الناس إلى منجاتهم وإعلاء شأنهم وأن كلا خير لهم في الدنيا والآخرة وإلا فإن الله تعالى غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر والزيغ والله تعالى سيجزيني ثواب الصابرين على تنكبكم صراط الهدى وتوليكم عن الأخذ بمراشد الدين وسننه.

وقد ذكرت الآيات الكريمة التي تحدثت عن المبعث النبوي
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿۱﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿۲﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿۳﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿۴ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿۵﴾". نزلت هذه الآيات بمكة في السابع والعشرين من شهر رجب ومن هنا صار يحتفل المسلمون بعيد المبعث النبويّ وهو بدء حياة الخير والسعادة للإنسان على وجه الأرض.

وهكذا بُعث النبي(ص) بالرسالة وابتدأت مرحلة جديدة من حياته الكريمة حيث لم يعد الإنسان الطيب الذي يعمل المعروف فقط، ويؤدي الأمانة ويصدق الحديث، ويعيل الأقرباء، بل أصبح الآن البشير النذير الذي يحمل على كتفه مسؤولية قيادة الإنسان الى كل خير وصيانته من كل شر .
كما ابتدأت بالبعثة مرحلة جديدة للجزيرة العربية، بل للعالم كله، فسوف لايبقى العالم يسوده الظلم والظلام، والشر والطغيان، بل ستفتح فيه أبواب الخير التي تنتهي إلى سيادة العدل والنور والخير والمعروف.
 
بقلم رجل الدين اللبناني ومدير جمعية القرآن للتوجيه والارشاد في "بعلبك" سماحة الشيخ "حاتم برو" 
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha